ذي قار ــ قاسم الحلفي
تصوير ــ خضير فضالة
سمراء البشرة تتوشح بالسواد رسمت سبعون سنة من عمرها على وجهها هموم حياتها، هادئة مملوءة بحب الحسين واهل بيته عليهم السلام، وضعت خريطة لخدمة محمد وآل محمد ونفذتها بمفردها وبأدوات بسيطة فنصبت موكبا من خيمتين بنيتا بطريقة بدائية وباتت تقدم الخدمة من الفجر الى الليل ، من يجالسها يشعر أنها امه لانها تدعوا للجميع بالخير ولا تطلب الا الدعاء لها بحسن الخاتمة، تطبخ بيديها الكريمتين اطيب الاطعمة وتنظف وترتب وتستقبل الزائرين والزائرات وتدعوا لهم بالخير تعمل بمفردها وترتقي بالخدمة كل عام رغم ضيق الحال وحالة الكفاف في المعيشة التي تميز حياتها، انها ايقونة للعشق الحسيني ونموذجا للمرأة المتأسية بالحوراء زينب سلام الله عليها.
افتراش الارض
بدأت صبرية مالح "أم جابر" خدمتها للإمام الحسين عليه السلام قبل عشر سنوات في أحد المواكب بمنطقة الجبايش فوجدت ان تلك الخدمة لا تلبي طموحها رغم انها ضعيفة الحال ووضعها المعيشي اقل من المتوسط، فقررت الانفراد وحدها في خدمة الإمام الحسين عليه السلام فقامت في عام 2010 بافتراش الارض ووضعت بطانية وجلبت طباخ صغير وقنينة غاز وادوات محدودة واخذت تقدم الشاي وخبز العروك، فشعرت باستقلاليتها فضاعفت الخدمة وقامت بتقديم الرز والمرق والدجاج في العام الثاني، مبينة ان الزائرين بدأوا يقبلون عليها، ففكرت ان تبني موكبا صغيرا ليقيهم حر الصيف وبرد الشتاء.
خيمة من الاكياس
ام جابر لا تملك المال الذي يساعدها على نصب خيمة سواء بواسطة الاستئجار او الشراء، لذلك تقول ان بركات الإمام الحسين عليه السلام جعلتني التفت الى التفكير بأن أبني خيمة من بعض قطع الحديد واعواد الشجر واكياس الطحين والرز وبعض قطع القماش، فكانت البداية خيمة صغيرة ساهم في زيادتها للخدمة الحسينية لانها امتلكت مساحة لخزن المواد واستقبال المشاية، فبدأت تقدم وجبتين باليوم بدل وجبة واحدة واضافة الحليب والحامض مع الشاي، وهو أمر جعلها تصر على ضرورة تطوير عملها وان تجعل لها خيمتين واحدة للنساء واخرى للرجال لان بعض النساء لا تقبل عليها عندما ترى الرجال جالسون في موكبها، ولمذاق طعامها حلاوة تشعر من يتناوله أنه يتناول طعاما تطبخه امه العجوز، فاجتهدت وساعدها ولداها في بناء خيمتين بنفس الطريقة البدائية من قطع شيش حديد تسليح البناء الذي اشترت القطعة الواحدة منها بثمانية الاف دينار والاعواد واكياس الطحين والرز وفرشتهم ببعض قطع الفراش والوسائد وخصصت احداها للنساء والاخرى للرجال وتحقق لها ما ارادت.
الراتب والادخار
هذه العجور اتبعت طريقة اقتصادية في توفير المبالغ وادخارها لتقديم الخدمة الحسينية ليس في وقت الزيارة الاربعينية فقط بل تعدى الامر الى العاشر من المحرم وآخر صفر حيث شهادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتؤكد انها تتسلم راتب رعاية اجتماعية قدره 195 الف دينار تشتري منه علاج لامراضها المتعددة حيث انها مصابة بداء القلب وداء السكري وضغط الدم بمبلغ 125 الف دينار ويتبقى لها 70 الف دينار تنفق على نفسها ما تحتاجه بتقشف وتدخر الباقي بصندوق خاص بها على مدار السنة ومنه تنفق على موكبها، وتضيف مثلا هذا العام وجدت ان المبلغ وصل الى 650 الف دينار فقمت بشراء مبردة هواء الى الموكب لتوفير اجواء مريحة للزائرين بمبلغ 200 الف دينار، وانفقت الباقي على الخدمة، ويتكفل ولدها بأيصال مواد الطبخ من الخضروات واللحوم والشراب من منطقتها البعيدة نسبيا عن مكان الموكب على الشارع العام في قضاء الجبايش.
البركة الحسينية
أم جابر استمرت بزيادة الخدمة حيث اصبحت تقدم اكثر من وجبة يوميا حيث تقدم الشاي والخبز والجبن صباحا ثم تقدم التمن والمرق واللحم ظهرا والفاكهة عصرا وتقوم قبل غروب الشمس باصطحاب عدد من الزائرين الرجال والنساء الى بيتها لاستضافتهم ومبيتهم عندها واطعامهم وتقديم كل الخدمات لهم، واصبح لها زبائن يمرون عليها كل عام، فقامت ببناء مرافق صحية وحمامات قرب موكبها لتوفير اكبر قدر من الخدمة للسائرين على الاقدام الى كبرلاء الشهادة، وتشير الى ان البركات بدات تظهر عليها، حيث اصبح لها فائض مالي من موكب العام الماضي فادخرته ولم تؤثر عليها الاحوال الاقتصادية المتردية التي ضربت البلاد جراء وباء كورونا بل زادت خدمتها هذا العام بعد ان تجمعت لها اموال عامين.