الصوم الذي يعني لغة واصطلاحا ومعنى وتوصيفا أنه الإمساك عن الطعام والشراب لكن قبل أن يكون هكذا فهو فريضة فرضها الله على عباده وهي تمثل إيذانا لبدء أهم مرحلة تدريبية ترويضية تهذيبية للنفس يؤديها العبد بطواعية .
ولكن هذا الأداء يستلزم الأصحية إذ أنه يتحدد بشروط علينا أن ندركها وهي شروط شرعية معنوية روحية نفسية ومنها ما يتعلق بوجوب الصوم ومن شروط وجوب الصوم هو :
البلوغ .. العقل .. الخلو عن الحيض والنفاس .. السلامة من مرض يخاف عليه من الصوم .. أن لا يكون مسافرا بسفر يقصر فيه صلاتَه .... أن لا يكون مغمى عليه
ولكن هنالك شروط معنوية جوهرية تربوية تهذيبية وهذه الشروط تتعلق بالنفس وبالقلب والعقل وتطبيق هذه الشروط بالباطن يحددها العقل وينفذها الإنسان العاقل ولا يعلمها إلا هو وربُه .فمثلما على الصائم أن يمسك عن المفطرات والمحرمات يتوجب عليه أن يمسك عن السلوك المنحرف أو الخاطئ . يمسك نفسَه عن ركوب المعاصي يتحلى بالورع والتقوى والصدق والعفاف والتوبة والإلتزام بكل ما يجعلُ الصوم صحيحا
بلوغ مراتب الفوز العظيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بما أن الناس جميعا يتحرون دائما بين أمور دنياهم عن كل ما هو راقٍ ويبحثون عما يوصلهم إلى أعلى ذرى القبول والمنفعة العامة وكسب أفضل النتائج وهذا ما يشمل الأمور الدنيوية والأخروية . إذن أن من يصومُ إستجابة لأمر الله تعالى ويتحمل أعباء ومشقة الإمساك من طلوع الفجر حتى غروب الشمس يقتضي أن لا يرضى لنفسه إلا أن يرقي بصومه هذا إلى الدرجات الرفيعة ويتبين ذلك حين يتم صوم الجوارح وصوم القلب وليس صوما ظاهريا إذ أن الصوم معراج المؤمن خصوصا حين تكون النيةُ العزمَ على بلوغ مرحلة التقوى وهجرِ كل الشهوات والملذات والشبهات وغير ذلك .
وفي هذا الشهر الفضيل بوسع الإنسان أن يتحول معنويا من مراتب الخسران إلى مراتب الفوز العظيم خصوصا حين يعكف على الإنغماس بالورع والتقوى والتوغل روحيا في عمق جوهر الإيمان ويتطوع تطوعا تاما للعبادة ويعكف على قراءة القرآن وفهمه فهما صحيحا تاما وتطبيق مفاهيمه بما ينبغي أن يُفهم
لقد أفاض الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعم لا تعد ولا تحصى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ومهما أرتقى الإنسان لدرجات المقدرة والعلم أو توصل إلى مراتب علمية ومراحل معرفية لعل محدودية المعرفة تصاحبه أو تحدده من أن يميز بصيغة عملية تامة المعنى والمحتوى بين ما هو خيرٌ وما هو شر بكل دقة ربما بشكل نسبي إنما ليس بتمام التمييز ومعرفة الفيصل. بينما اللهُ سبحانه وتعالى الخالق القادر المهيمن العليم الحكيم أعلم بالعوامل التي تُنشئ الخير والصلاح للعبد وهو جلا وعلا لا يختار للعبد إلا ما هو صالحٌ لأنه أرحمُ وأرأف على العبد من نفسه وأعرفُ بما ينفع العبد وما يصلح حالَه. إنما الإنسان تعتريه الأهواء وتتمالكه الرغبات ويتحكم به المزاج وغير ذلك وغالبا ما ينساق إلى هوى النفس الأمارةِ بالسوء وتنتابه الغفلة فتنسيه ما فرض الله جل وعلا عليه من فرائض وحتى وهو في هذه المرحلة فقد وهبه اللهُ نعمة التفكير والتفكر وترك له فسحة للصحوة والعودة إلى الرشد وإلى ربه بالتوبة فإن نعمة التوبة من أعظم نعم الله ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ـ الأنعام / 54 إذن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان أعظم فرصة لأن يراجع نفسه ويعود إلى النقاء الروحي والتطهر من رجس الموبقات والعودة السريعة إلى الرشد وإلى مجاهدة النفس ويعلن الندم والإصرارِ على عدم العودة إلى ارتكاب الذنوب حتى وإن كانت صغيرةً وقد جعل المولى تقدست أسماؤه هذا الندم مقبولا وترك باب التوبة مفتوحا لا أمد لفتحه ولا يغلق أبدا ومن نعم الله أنه يقذف في قلب العبد النور ليستضيء القلب والعقل وينأى عن ظلمات الخطيئة أو منزلقاتها ويسأل اللهَ الحنان المنان الذي وسعت رحمته كل شيء أن يتجاوز عن سيئاته ويضاعف في حسناته . وقد قال الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : جاهد نفسك، وقدم توبتك، تفز بطاعة ربك. وما أروع الفوز بطاعة الله .وقال صلوات الله عليه : جاهد نفسك على طاعة الله مجاهدة العدو عدوه، وغالبها مغالبة الضد ضده، فإن أقوى الناسِ من قويَ على نفسه.
ولعل جانبا من هذا الجهاد يتم من خلال أداء فريضة الصوم بكل صدق وإخلاص وأصحية في الطاعة لله على أن يكون الصوم للجوارح كما يراد له .
اللهم تقبل خالص أعمال عبادك اقبل قيامهم وصيامهم ووفقنا لما تحب وترضى إنك سميع مجيب
حسن كاظم الفتال