15093418CV.jpg
في مثل هذه الأيّام الحزينة استُشهِدَ سفيرُ الإمام الحسين مسلم بن عقيل (عليه السلام) وبالتحديد في الثامن من ذي الحجّة لسنة (60هـ) غدراً وغيلةً، فهو بطلٌ من أبطال الهاشميّين ذو نسب شريف وحسب رفيع، وابنُ عمّ الإمام الحسين(سلام الله عليه) وسفيره إلى أهل الكوفة. اختاره الإمام(سلام الله عليه) سفيراً من قِبَلِه إليهم بعد أن تتابعت كتبهم ورسائلهم –كالسيل– إلى الإمام وهي تحثّه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويّين وعنفهم واستهتارهم بالدين، فرأى الإمام(سلام الله عليه) قبل كلّ شيء أن يختار سفيراً ليعرّفه باتجاهاتهم وصدق نياتهم، فإن رأى منهم نيّة صادقة وعزيمة مصمّمة يأخذ البيعة منهم، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك، وقد اختار لسفارته ثقته وكبير أهل بيته، والمبرَّز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل سلام الله عليه. فذهب مسلم إلى الكوفة وبايعه الناس فكتب إلى الإمام الحسين(عليه السلام) يخبره بالحال ويستعجله القدوم. فتحرّك الإمام(عليه السلام) على أساس كتاب مسلم متوجّهاً نحو الكوفة. فبلغ عدد من بايع مسلماً ثمانية عشر ألفاً أو خمسةً وعشرين ألفاً وقيل أربعون ألفاً. ولكن سرعان ما انقلب اهل الكوفة على أعقابهم فخسروا شرف الدنيا كما عداهم الفوزُ في الدين، وجرى على مسلم سلام الله عليه في الكوفة ما جرى على الحسين(عليه السلام) فيما بعد في كربلاء من غدر الناس وخذلانهم ونكثهم العهود والمواثيق والبيعة بوحي من الطمع والشهوة والخوف وحبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة. فأصدر ابنُ زياد عليه لعنة الله أوامره بتحرّي بيوت الكوفة بيتاً بيتاً وتفتيشها، بحثاً عن مسلم بن عقيل(عليه السلام)، الذي كان قد اختبأ في بيت إمرأة مجاهدةٍ ومُحبّةٍ لآل البيت(عليهم السلام) اسمها (طوعة)، فلمّا علم ابن زياد لعنة اله عليه بمكانه أرسل له جيشاً إلى تلك الدار، فقاتلهم مسلم بن عقيل(عليه السلام) أشدّ قتال، إلّا أنّ الأقدار شاءت فوقع بأيدي قوّات ابن زياد فأرسلوه إلى القصر، فدارت بينه وبين ابن زياد مشادّة كلامية غليظة، حتى انتهت بقول ابن زياد لعنة الله عليه إنّك مقتول"، ثم أمر جلاوزته أن يصعدوا بمسلم بن عقيل عليه السلام أعلى القصر ويضربوا عنقه ويلقوا بجسده من أعلى القصر، ثم انهال على مسلم(عليه السلام) سيف الغدر وحيل بين رأسه وجسده، ليلتحق بالشهداء والصدّيقين والنبيّين والصالحين. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا..