قال الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الاستاذ حسن رشيد العبايجي أن اللغة العربية ظاهرة اجتماعية اقتضتها حياة البشر وهي أهم ركن من أركان حضارة الامة.
جاء ذلك في كلمته التي القاها بالندوة العلمية الثانية التي اقامتها دار اللغة العربية التابعة لقسم الشؤون الفكرية في العتبة الحسينية المقدسة تحت عنوان (اللغة العربية بين التقليد والتجديد ودورها الريادي في مواجهة التحديات الثقافية المعاصرة) لإحياء اليوم العالمي للغة العربية.
وبين الاستاذ حسن رشيد العبايجي أنه "اللغة ظاهرة اجتماعية اقتضتها حياة البشر وهي أهم ركن من أركان حضارة الامة والمحافظة على كيانها وهي عنصر ضروري لبقاء وتماسك المجتمع والرابط الوجداني والفكري لأبناء الامة"، وتعد اللغة العربية أقدم اللغات الحية على وجه الأرض، وقد أمضت ما يزيد على ألف وستمائة سنة، وقد تكفل الله - سبحانه و تعالى بحفظها".
وأضاف الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة، " انتشرت اللغة العربية في معظم أرجاء المعمورة وبلغت ما بلغه الإسلام وارتبطت بحياة المسلمين فأصبحت لغة العلم و الأدب والسياسة والحضارة فضلاً عن كونها لغة الدين والعبادة، لقد استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الحضارات المختلفة العربية، والفارسية، واليونانية والهندية، المعاصرة لها في ذلك الوقت، و أن تجعل منها حضارة واحدة، لأول مرة في التاريخ، ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم وشرفها بجعلها وثيقة الصلة بالدين الإسلامي والشريعة الإسلامية الشريفة فأرسل خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه واله وأنزل عليه القرآن الكريم باللغة العربية الفصيحة فقال سبحانه وتعالى: { قرآنا عرابيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } وأصبح تعليم اللغة العربية واجب على المسلمين لأن تعليمها ليس قضية تعليمية فقط بل هي قضية عقائدية وأيمانية ورسالة سامية وهي من أهم أسس تأكيد الوحدة والأخوة والروابط المشتركة بين المسلمين على مختلف مشاربهم وأعراقهم ولغاتهم، مبينا بان "اللغة نعمة إلهية تميز بها الإنسان عن المخلوقات الأخرى وهي وسيلة فكرية لربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض عن طريق التواصل والتخاطب وتبادل الأفكار والآراء والمعلومات، وهي الأداة الفاعلة في حفظ التاريخ ونقله من جيل إلى آخر، وهي آية كبيرة من آيات الله الكبرى المتعددة إذ قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } (الروم: ۲۲ ) لذلك أن كل أمة من الأمم تفتخر بلغاتها وتحاول أن تتشبث بها لأنها هويتها وعنوانها ورمزها، والعرب والمسلمون حالهم حال الأمم الأخرى افتخروا بلغتهم واعتزوا بها وحاولوا الحفاظ عليها وصيانتها، ولا سيما أن الله جل وعلا شأنه أسند إلى اللغة العربية مهمة حمل القرآن الكريم، قال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، (يوسف (۲) ، وكذلك أنها لغة الحديث النبوي الشريف ولغة أهل الجنة)).
منوها بان "اللغة العربية إحدى اللغات العالمية الحية التي تتبوأ مكانة بارزة بين اللغات العالمية الأخرى، وهذه المكانة الجليلة نبعت من أهمية الأمة العربية كونها الأمة التي كرمت بحمل الرسالة السماوية وتبليغها إلى البشرية كافة بعد أن شرفها الله تعالى وأنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين وهي أداة التفاهم والتعبير بين أبناء الأمة العربية، والتي امتازت عن بقية اللغات بتاريخها العريق ومكانتها الأدبية وحضارتها الأصيلة وعراقتها وقدمها، فلها جذور ضاربة في التاريخ، وهي لغة معطاء متفاعلة قادرة على مواكبة التطور الحاصل في مختلف ميادين العلم والمعرفة ولديها مكانتها الشريفة بين العوالم المختلفة، وذلك لأنها تتميز عن غيرها بارتباطها بكتاب الله القرآن الكريم الذي أعطاها الحيوية وجعل لها مكانة معروفة وبارزة بين اللغات العالمية الأخرى.
وبين الاستاذ حسن رشيد العبايجي بانه "لا بد أن تكون اللغة العربية محط عناية أبنائها والناطقين بها والاهتمام بها وتفعيل عملية المحافظة عليها لمكانتها وقدسيتها وكرامتها التي منحها الله لها. ولا بد من الإشارة إلى أن أول عملية محافظة على اللغة العربية قد صدرت من الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وأن الجهد الأبرز لصيانة اللغة العربية هو جهد الإمام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وضعه علم النحو وكان حافزه عليه السلام في ذلك هو المحافظة على قراءة القرآن بصورة صحيحة، و بعد توسع الفتوحات الإسلامية و اختلاط العرب بغيرهم من الأقوام المجاورة ، وشيوع اللحن على الألسن ، ازدادت الحاجة إلى وضع ضابطة تعصم اللسان من اللحن ، ومن هنا لقن الأمام أمير المؤمنين عليه السلام أبا الأسود الدولي ( رضوان الله تعالى عليه ) قواعد اللغة العربية ، فنقط المصحف نقاط الإعراب.
وختم الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة حديثه قائلا، "بهذه اللغة وفي هذا العصر ومما يؤسف له أن بعض المتصدين باسم الامة والذين يشوهون دور اللغة العربية لا يتورعون ولا يخشون عواقب الأمور يحملون معاول الجهل والسفاهة و الهدم والتدمير وأخذت تعصف بتراثنا ولغتنا بكل وسائل التدمير الناعمة وبإسناد ودعم أعداء الأمة التاريخي لذلك أيها الاخوة والاخوات فإننا مدعون ومن خلال هذا العون المبارك الى العناية والاهتمام والرعاية التي قدسها الله سبحانه وتعالى وهي من المقومات الأساسية لاستمرار وديمومة الحضارة الإسلامية وينبغي على المختصين والمعنيين بشأن اللغة المزيد من التوعية الثقافية والدينية لحمايتها وصيانتها والحفاظ على سلامتها من الدس والتشويه والتحريف المتعمد في الحروف والكلمات والالحان الدخيلة التي تشوه جمالية العبارات والمخاطبات وبدأت تنتشر كلمات أجنبية بلغة عربية ليس لها معنى أو مضمون لغوي سوى التقليد الأعمى لمظاهر وسلوك الثقافة الغربية المنحرفة المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي بل أصبحت لقمة سائغة للتندر والسخرية والتعليق والتسقيط من قبل بعض الجهلاء والسفهاء بعكس بقية اللغات العالمية التي تحترم وتقدس لغاتها، فلم نجد في الأمم الأخرى ما يسيئ ويشوه لغتها عن طريق استخدام كلمات عربية دخيلة عليها لذلك ومن خلالكم أرجو التركيز على فتح مراكز لتعليم القرآن الكريم وفي دور العبادة والجوامع وحتى في البيوت وكذلك تكثيف الاهتمام بها عن طريق المؤتمرات والدورات والجامعات والمعاهد والمدارس والاشراف على المناهج التربوية بطريقة تنشئ الأجيال القادمة على حب اللغة العربية وإصدار القوانين الملزمة لتنفيذ ذلك وفتح منصات علمية متخصصة وأيضا من خلال وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التي تلعب اليوم دورا كبيرا في التأثير على الأوساط والشرائح الاجتماعية ويعتبر من أهم وسائل النقل والاستقطاب في تلك الأوساط لنشر معالم ومكنون وكنوز وفوائد اللغة العربية وتعظيم وتقديس دروس اللغة العربية وبيان أهميتها والاهتمام بتحسين التلفظ والخط والاملاء وقواعد اللغة العربية وأن تكون من الدروس الأساسية في المنافسة عند القبول لتكون لغة العصر وأن تحاط بالجلالة والقدسية التي كرمها الله سبحانه وتعالى فهي سلاح الأمة وسبيل وحدتها ونهضتها في حاضرها ومستقبلها في الوقوف بوجه الأعداء والمتربصين والطامعين بأرضها وشعوبها وتراثها وتاريخها المجيد.